فصل: ذكر سلطنة الملك المنصور قلاوون الصالحي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


  ثم دخلت سنة ثمان وسبعين وستمائة

ذكر خلع الملك السعيد بركة ابن الملك الظاهر فـي هـذه السنـة وصلـت العساكـر الخارجون عن طاعة بركة المذكور إلى الديار المصرية في ربيع الأول وحصروا الملك السعيد بركة بقلعة الجبل فخامر على السعيد بركة غالب من كان معه مـن الأمـراء مثـل لاجيـن الزينـي وغيـره وبقـي يهرب واحد بعد واحد من القلعة وينضم إلى العسكر المحاصر للقلعة فلما رأى الملك السعيد بركة ذلك أجابهم إلى الانخلاع من السلطنة وأن يعطى الكرك فأجابوه إلى ذلك وأنزلوه من القلعة وخلعوه في ربيع الأول من هذه السنة‏.‏

أعني سنة ثمان وسبعين وستمائة وسفروه من وقته إلى الكرك صحبة بيد عان الركنـي وجماعـة معـه فوصل إليها وتسلمها بما فيها من الأموال وكان شيئاً كثيراً‏.‏

إقامة سلامش ابن الملك الظاهر بيبرس في المملكة وفي هذه السنة لما جرى ما ذكرناه من خلع الملك السعيد بركة وإعطائه الكرك اتفق أكابر الأمـراء الذيـن فعلوا ذلك مثل بدر الدين البيسري الشمسي وأيتمش السعدي وبكتاش الفخري أمير سلاح وغيرهم على إقامة بدر الدين سلامـش ابـن الملـك الظاهـر بيبـرس فـي المملكة ولقبوه الملك العـادل وعمـره إذ ذاك سبـع سنيـن وشهـور وخطـب لـه وضربـت السكـة باسمه وذلك في شهر ربيع الأول من هذه السنة وصار الأمير سيف الدين قلاوون الصالحي أتابك العسكر ولما استقر ذلك جهز أتابك العسكر المذكور الأمير شمس الدين سنقر الأشقر إلى دمشق جعله نائب السلطنة بالشام وكان العسكر لما خافوا السعيد بركة قد قبضوا على عز الدين أيدمر نائب السلطنة بدمشق وتولى تدبير دمشق بعد أيدمر أقوش الشمسي نائب السلطنة بحلب فسار وتولاها واستمر الحال على ذلك مدة يسيرة‏.‏

  ذكر سلطنة الملك المنصور قلاوون الصالحي

وفي هذه السنة أعني سنة ثمان وسبعين وستمائة في يوم الأحد الثاني والعشرين من رجب كان جلوس السلطان الملك المنصور قلاوون الصالحي في السلطنة بعد خلع الصبي سلامش وعزله ولما تولى السلطان الملك المنصور أقام منار العدل وأحسن سياسة الملك وقام بتدبير المملكة أحسن قيام‏.‏

ذكر خروج سنفر الأشقر عن الطاعة وسلطنته بالشام‏:‏ وفي هذه السنة في الرابع والعشرين من ذي القعدة جلس سنقر الأشقر بدمشق في السلطنة وحلف له الأمراء والعسكر الذين عنده بدمشق وتلقب بالملك الكامل شمس الدين سنقر‏.‏

وفي هـذه السنـة توفـي الملـك السعيـد بركـة ابـن الملـك الظاهـر بيبـرس فـي الكـرك بعـد وصولـه إليهـا فـي مدة يسيرة وكان سبب موته أنه لعب بالكرة في ميدان الكرك فتقنطر به فرسه فحصل له بسبـب ذلـك حمـى شديـدة وبقـي كذلـك أياماً يسيرة وتوفي وحمل إلى دمشق ودفن بتربة أبيه ولما توفي الملك السعيد اتفق من بالكرك وأقاموا موضعه أخاه نجم الدين خضر واستقر في الكرك ولقبوه الملك المسعود‏.‏

  ثم دخلت سنة تسع وسبعين وستمائة

ذكر كسرة سنقر الأشقر فـي هـذه السنة في التاسع عشر من صفر كانت كسرة سنقر الأشقر المتولي على الشام الملقب بالملك الكامل وكان من حديث هذه الكسرة أن السلطان الملك المنصور قلاوون جهز عساكر ديار مصر مع علم الدين سنجر الحلبي الذي تقدم ذكر سلطنته بدمشق عقيب قتل قطز وكان أيضاً من مقدمي العسكر المصري المذكور بدر الديـن بكتـاش وبـدر الديـن الأيدرمـري وعز الدين الأفرم فسارت العساكر المذكورة إلى الشام وبرز سنقر الأشقر بعساكر الشام إلى ظاهر دمشق والتقى الفريقان في تاسع عشر صفر المذكور فولى الشاميـون وسنقـر الأشقـر منهزمين ونهبت العساكر المصرية أثقالهم‏.‏

وكان السلطان الملك المنصور قلاوون قد جعل مملوكه حسام الدين لاجين السلحدار نائباً بقلعة دمشق فلما هرب سنقر الأشقر أفرج عن حسام الدين لاجيـن المذكـور وكذلـك كـان سنقـر الأشقـر قد اعتقل بيبرس المعروف بالجالق لأنه لم بحلف له فأفرج عنه أيضاً وكتب الحلبي إلى السلطان الملك المنصور بالنصر استقر الأمير لاجين المنصوري المذكور نائب السلطنة بالشام وأما سنقر الأشقر فإنه هرب إلى الرحبة وكاتب أبغا بن هولاكو ملك التتر وأطمعه في البلاد وكان عيسى بن مهنا ملك العرب مع سنقر الأشقر وقاتل معه وكتب بذلك إلى أبغا أيضاً موافقة له ثم سار سنقر الأشقر من الرحبة إلى صهيون في جمادى الأولى من هذه السنة واستولـى عليهـا وعلـى برزنـة وبلاطنـس والشغـر وبكاس وعكار شيزر وفامية وصارت هذه الأماكن لسنقر الأشقر‏.‏

وفيها توفي أقوش الشمسي نائب السلطنة بحلب وولى السلطان الملك المنصور قلاوون على حلب علم الدين سنجر الباشغردي‏.‏

وفيها قويت أخبار التتر وأنهم واصلون إلى البلاد الإسلامية بجموعهم‏.‏

وفيها جعل السلطان الملك المنصور قلاوون ولده الملك الصالح علاء الدين علي ولي عهده وسلطنته وركب بشعار السلطنة‏.‏

وفيها سار السلطان الملك المنصور قلاوون الصالحي من الديار المصرية ووصل إلى غزة وكان التتـر قـد وصلـوا إلـى حلـب فعاثـوا ثـم عادوا فعاد السلطان إلى مصر في جمادى الآخرة من هذه السنة‏.‏

وفيها استأذن سيف الدين بلبان الطباخي أحد مماليك الملك المنصـور وكـان نائـب السلطنـة بحصن الأكراد في الإغارة على بلد المرقب لما اعتمده أهله من الفساد عند وصول التتر إلى حلب فأذن له السلطان في ذلك فجمع بلبان الطباخي المذكور عساكر الحصون وسار إلى المرقب فاتفق هروب المسلمين ونزل الفرنج من المرقب وقتلوا وأسروا من المسلمين جماعة‏.‏

وفيها في مستهل ذي الحجة حرج السلطان الملك المنصور قلاوون من مصر وسار عائداً إلى الشام وخرجت هذه السنة‏.‏

  ثم دخلت سنة ثمانيـن وستمائة

والسلطان الملك المنصور بالروحاء وأقام هناك مدة ثم سار إلى بيسـان وقبـض علـى جماعـة مـن الظاهريـة ودخـل دمشـق وأعـدم منهم جماعة مثل كوندك وأيدغمش الحلبي وبيبرس الرشيدي وأرسل عسكراً إلى شيزر وهي لسنقر الأشقر وجرى بينهم مناوشة ثم إنه ترددت الرسل بين السلطان وبين سنقر الأشقر واحتاج السلطان إلـى مصالحته لقوة أخبار التتر ووقع بينهم الصلح على أن يسلم شيزر إلى السلطان ويتسلم سنقر الأشقر الشغر وبكاس وكانتا قد ارتجعتـا سـه فتسلـم نـواب السلطـان شيـزر وتسلـم الشغـر وبكاس سنقر الأشقر وحلفا على ذلك واستقر الصلح بينهما‏.‏

وفيها أيضاً استقر الصلح بين السلطان الملك المنصور قلـاوون وبيـن الملـك خضـر ابـن الملـك الظاهر بيبرس صاحب الكرك‏.‏

  ذكر الوقعة العظيمة مع التتر على حمص

في هذه السنة أعني سنة ثمانين وستمائة في شهر رجب كان المصاف العظيم بين المسلمين وبيـن التتـر بظاهر حمص فنصر الله تعالى فيه المسلمين بعد ما كانوا قد أيقنوا بالبوار وكان من حديث هذا المصاف العظيم أن أبغا بن هولاكو حشد وجمع وسار بهذه الحشود طالباً الشام ثم انفرد أبغا المذكور عنهم وغنم وسار إلى الرحبة وسير جيوشه وجموعه إلى الشام وقدم عليهم أخاه منكوتمر ابن هولاكو وسار إلى جهة حمص وسار السلطان الملك المنصور قلاوون الصالحي بالجيوش الإسلامية من دمشق إلى جهة حمص أيضاً وأرسل إلى سنقر يستدعيه بمن عنده من الأمراء والعسكر بحكم ما استقر بينهما من الصلح واليمين فسار سنقر الأشقر من صهيون فلما نزل السلطان بظاهر حمص وصل إليه الملك المنصور صاحب حماة بعسكره ثم وصل سنقر الأشقر وصحبته أيتمش السعدي والحاج أزدمر وعلم الدين الدويداري وجماعة من الظاهرية‏.‏

ورتب السلطان عسكره ميمنة وميسرة وكان رأس الميمنة الملك المنصور محمد صاحب حماة بعسكره ثم بدر الدين البيسري دونه ثم علاء الديـن طيبـرس الوزيـري ثـم أيبـك الأفـرم ثـم جماعة من العسكر المصري ثـم عسكـر الشـام ومقدمهـم حسـام الديـن لاجيـن نائـب السلطنـة بالشام‏.‏

وكان رأس الميسرة سنقـر الأشقـر ومـن معـه ثـم بـدر الديـن تنليـك الأيدمـري ثـم بـدر الديـن بكتاش أمير سلاح‏.‏

وكان بر الميمنة العرب وبر الميسرة التركمان‏.‏

وكان ساليش القلب حسام الدين طرنطاي نائب السلطنة ومن أضيف إليه من الأمـراء والعساكـر والتقـى الفريقـان بظاهـر حمص في الساعة الرابعة من يوم الخميس رابع عشر رجب الفرد من هذه السنة أعني سنة ثمانين وستمائة وأنزل الله نصرته إلى القلب والميمنة فهزموا من كان قبالتهم من التتر وركبوا قفاهم يقتلونهم وكان منكوتمر قبالة القلب فانهزم أيضاً وأما ميسرة المسلمين فإنها انكشفت عن مواقفها وتم ببعضهم الهزيمة إلى دمشق وساق التتر في إثر المنهزمين حتى وصلوا إلى تحت حمص ووقعوا في السوقية وغلمان العسكر والعوام وقتلوا منهم خلقاً كثيراً ثم علموا بنصرة المسلمين وهزيمة جيشهم فولى المذكورون أيضاً منهزمين على أعقابهم وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون‏.‏

وكانت عدة التتر ثمانين ألف فارس منهم خمسون ألفا من المغل والباقي حشود وجموع مـن أجناس مختلفة مثل الكرج والأرمن والعجم وغيرهم ولما وصل خبر هذه الكسرة إلى أبغا وهو على الرحبة يحاصرها رحل عنها على عقبه منهزماً وكتب بهذا الفتح العظيم إلى سائر البلاد الاسلاميـة فزينـت لذلـك ثـم إن السلطـان الملك المنصور قلاوون أعطى الدستور للعساكر الشامية فرجع الملك المنصور محمد صاحب حماة إلى بلده ورجع سنقر الأشقر وجماعته إلى صهيون وسار عسكر حلب إليها وعاد السلطان إلى دمشق والأسرى والروس بين يديه‏.‏

وفيها عاد السلطان الملك المنصور قلاوون إلى الديار المصرية مؤيداً منصوراً‏.‏

وفيها عند وصوله إلى مستقر ملكه قدمت إليه هدية من صاحب اليمن المظفر شمس الدين يوسف بن عمر بن علي بن رسول وطلب أماناً من السلطان فقبل السلطان هديته وكانت من طرائف اليمن مثل العود والعنبر والصيني ورماح القنا وغيـر ذلـك وكتـب لـه السلطـان أمانـاً صدرة ‏(‏هذا أمـان اللـه تعالـى وأمـان سيدنـا محمـد صلـى اللـه عليـه وسلـم وأماننـا لأخينـا السلطان الملك المظفر شمس الدين يوسف بـن عمـر صاحـب اليمـن إننـا راعـون لـه ولأولـاده مسالمون من سالمهم معادون من عاداهم‏)‏ ونحو ذلك‏.‏

وكان ذلك في العشر الأول من رمضان هـذه السنـة وأرسـل السلطـان إليـه هديـة مـن أسلـاب التتـر وخيولهـم وعـادت رسله بذلك مكرمين‏.‏

وفيها مات منكوتمر بن هولاكو بن طلو بن جنكزخان بجزيرة ابن عمر مكموداً عقيب كسرته على حمص وكان موته من جملة هذا الفتح العظيم‏.‏

وفيهـا توفـي عـلاء الديـن عطاء ملك بن محمد الجويني وكان صاحب الديوان ببغداد فنقب عليه أبغا نسبه إلى مواطاة المسلمين وقبض عليه وأخذ أمواله وكان صدراً كبيراً فاضلاً له شعر حسن فمنه في تركية‏:‏ أبادية الأعراب عني فإنني بحاضرة الأتراك نيطت علائقي وأهلـك يـا نجـل العيـون فإنني جننـت بهـذا الناظـر المتضايـق وكانت وفاته بعراق العجم وولي بغداد بعده ابن أخيه هارون بن محمد الجويني‏.‏

  ثم دخلت سنة إحدى وثمانين وستمائة

فيها ولي السلطان مملوكه شمس الدين قرا سنقر نيابة ذكر موت أبغا وفيها في المحرم مات أبغا بن هولاكو بن جنكزخان ملك التتر قيل إنه مات مسموماً‏.‏

وكان موته ببلاد همذان وكانت مدة ملكه نحو سبعة عشر سنة وكسوراً وخلف من الولد أرغون وكيختـو ابنـاً أبغـا ولمـا مـات أبغـا ملـك بعـده أخـوه أحمـد بـن هولاكـو واسـم أحمـد المذكـور بيكدار فلما جلس في الملك أظهر دين الإسلام وتسمى بأحمد سلطان‏.‏

وفيها وصلت رسل أحمد بن هولاكو ملك التتر المذكور إلى السلطان الملك المنصور قلاوون وكان كبير الرسل المذكورين الشيخ المتقن قطب الدين محمود الشيـرازي وكـان إذ ذاك قاضـي سيواس فاحترز عليهم السلطان ولم يمكن أحداً من الاجتماع بهـم وكـان مضمـون رسالتهـم إعلام السلطان بإسلام أحمد المذكور وطلب الصلح بين المسلمين والتتر فلم ينتظم ذلك‏.‏

ثم عادت رسله إليه بالجواب‏.‏

وفيها توفي منكوتمر بن طغان بن باطو بن دوشي خـان بـن جنكزخـان ملـك التتـر بالبلـاد الشمالية وملك بعده أخو متدان منكو بن طغان بن باطو بن دوشي خـان بـن جنكزخـان وجلس على كرسي التتر بصراي وقيل إن ذلك كان في سنة ثمانين‏.‏

وفيهـا عقـد الملـك الصالـح علاء الدين علي ابن السلطان الملك المنصور قلاوون على بنت سيف الدين بكيه ثم تزوج أخوه الملك الأشرف بأختها الأخرى وكان بكيه معتقلاً بالإسكندرية فلما عزم السلطان على ذلك أخرجه من الحبس وأحسن إليه وزوج ابنيه واحداً بعد الآخر ببنتي بكيه المذكور‏.‏

وفيها توفي القاضي الفاضل المحقق شمس الديـن أحمـد بـن محمـد بـن أبـي بكـر بـن خلكـان البرمكـي وكـان فاضـلاً عالمـاً تولـى القضـاء بمصـر والشـام ولـه مصنفـات جليلـة مثـل‏:‏ وفيات الأعيـان فـي التاريـخ وغيره‏.‏

وكان مولده يوم الخميس بعد صلاة العصر حادي عشر ربيع الآخر سنة ثمان وستمائة بمدينة إربل بمدرسة سلطانها مظفر الدين صاحب إربل‏.‏

نقلت ذلك من تاريخه في ترجمة زينب في آخر حرف الزاء‏.‏

  ثم دخلت سنة اثنتين وثمانين وستمائة

في أوائل هذه السنة قدم الملك المنصور محمد صاحب حماة وصحبته الملك الأفضل علي إلى خدمة السلطان الملك المنصور قلاوون بالديار المصرية فبالـغ السلطـان فـي إكـرام صاحـب حمـاة والإحسـان إليـه وأنزله بالكبش وأركبه بالسناجق السلطانية والجفتا والغاشية وسأله عن حوائجه فقال الملك المنصور حاجتي أن أعفى من هذا اللقب فإنه ما بقي يصلح لي أن ألقب بالملك المنصور وقد صار هذا لقب مولانا السلطان الأعظم فأجابه السلطان بأبي ما تلقيت بهذا الاسم إلا لمحبتي فيك ولو كان لقبك غير ذلك كنت تلقبت به فشيء فعلته محبة لاسمك كيف أمكن من تغييره وطلـع السلطـان بالعسكـر المصري لحفر الخليج الذي بجهة البحيرة وسار صاحب حماة في خدمته إلى الحفير ثم أعطى بعد ذلك الدستور لصاحب حماة فعاد مكرماً مغموراً بالصدقات السلطانية‏.‏

وفيها رمى السلطان الملك الصالح علاء الدين علي ابن السلطان بجعاً بجهة العباسة بالبندق وأرسله للملك المنصور محمـد صاحـب حمـاة فقبلـه وبالـغ فـي إظهـار السـرور والفـرح بذلـك وأرسل إليه تقدمة جليلة‏.‏

وفيها خرج أرغون بن أبغا بخراسان على عمه بيكدار المسمى بأحمد سلطان وسار إليه واقتتلا فانهزم أرغون وأخذه أحمد أسيراً وسأل الخواتيـن فـي إطلـاق أرغـون وإقـراره علـى خراسان فلم يجب إلى ذلك وكانت خواطـر المغـل قـد تغيـرت علـى أحمـد بسبـب إسلامـه وإلزامه لهم بالإسلام فاتفقوا على قتله وقصدوا أرغون بالموضع الذي هو معتقل فيه وأطلقوه وكبسوا الناق نائب أحمد فقتلوه ثم قصدوا الأردو فأحس بهم السلطان أحمد فركب وهرب فتبعـوه وقتلـوه وملكـوا أرغـون بـن أبغا بن هولاكو بن طلو بن جنكزخان وذلك في جمادى الأولى من هذه السنة‏.‏

وفيها قتل أرغون الصبي سلطان الروم الذي أقامه البرواناه بعد قتله أباه حسبما تقدم ذكره فـي سنـة سـت وستيـن وستمائـة وكـان اسم الصبي المذكور غياث الدين كيخسرو بن ركن الدين قليـج أرسلـان بـن كيخسـرو بـن قليـج أرسلان وفوض اسم سلطنة الروم إلى مسعود بن عز الدين كيكاؤوس وهـذا مسعـود هـو الـذي هـرب مـن منكوتمـر ملـك التتـر بصـراي وأبـوه عـز الديـن كيكـاؤوس هو الذي جرى له مع الأشكري صاحب قسطنطينية على ما قدمنا ذكره في سنة اثنتين وستين وستمائة واستمرت سلطنة الروم باسم مسعود المذكور إلى سنة ثمان وسبعمائة وهـو مسعـود ابـن كيكـاؤوس بـن كيخسـرو بن كيقباذ بن كيخسرو بن قليج أرسلان بن مسعود بن قليج أرسلان بن قطلومش من السلجوقية ببلاد الروم‏.‏

وافتقر مسعود المذكور وانكشف حاله جداً حتى قيل إنه تناول سماً فمات من كثرة المطالبة من أرباب الدين والتتر‏.‏

وفيها ولى أرغون سعد الدولة اليهودي وعظمه ومكنه وكان سعد الدولة المذكور في مبدأ أمره دلالاً بسوق الصناعة بالموصل فحكم في سائر البلاد التي بأيدي التتر‏.‏

وفيها قرر أرغون ولديه قازان وخربنده بخراسان وجعل أتابكهما أميـراً كبيـراً مـن أصحابـه اسمه نورود‏.‏

وفيها مات الأشكري صاحب قسطنطينية واسمـه ميخائـل وملـك بعـده ابنـه مانـدس وتلقـب وفيها كاتب الحكام بقلعة الكحنا قراسنقر نائب السلطنة بحلب وسلموا الكحنا إلى السلطان فجهز قراسنقر عسكراً فتسلموهـا وقـرر السلطـان فيهـا نوابـه وحصنهـا وصـارت مـن أعظـم الثغور الإسلامية نفعاً‏.‏

وفيهـا فـي رجب قدم السلطان إلى دمشق وكان قد سار من مصر في جمادى الآخرة‏.‏

وفيها كان السيل العظيـم بدمشـق فـي العشـر الـأول مـن شعبـان والسلطـان الملـك المنصـور قلـاوون بدمشق وأخذ ما مر به من العمارات وغيرها واقتلع الأشجار وأهلك خلقـاً كثيـراً وذهـب للعسكر النازلين على جوانب بردى من الخيل والجمال والخيم ما لا يحصى وتوجه السلطـان عقيبه إلى الديار المصرية ووصل إلى قلعة الجبل في ثامن عشر رمضان من هذه السنة‏.‏

  ثم دخلت سنة ثلاث وثمانين وستمائة

فيها سار السلطان الملك المنصور قلاوون إلى دمشق وحضر الملك المنصور صاحب حماة إلى خدمته إلى دمشق ثم عاد كل منهما إلى مقر ملكه‏.‏

  ذكر وفاه الملك المنصور

صاحب حماة فـي هـذه السنة في شوال توفي السلطان الملك المنصور ناصر الدين أبو المعالي أحمد ابن الملك المظفر محمود ابن الملك المنصور محمد ابن الملك المظفر عمر بن شاهنشاه بن أيوب صاحب حماة رحمه الله تعالى‏.‏

ابتدأ فيه المرض في أوائل شعبان بعد عوده من خدمة السلطان من دمشـق وكـان مرضـه حمـى صفراويـة داخـل العـروق ثـم صلـح مزاجـه بعـض الصلاح فأشار الأطباء بدخوله الحمام فدخلها فعاوده المرض وأحضر له الأطباء من دمشق مع من كان في خدمته منهم واشتد به ذات الجنب وعالجوه بما يصلح لذلك فلم يفد شيئاً‏.‏

وفي مدة مرضه عتق مماليكه وتاب توبة نصوحاً وكتب إلى السلطان الملك المنصور قلاوون يسألـه فـي إقرار ابنه الملك المظفر محمود في مملكته على قاعدته واشتد به مرضه حتى توفي بكرة حادي عشر شوال من هذه السنة أعني سنة ثلاث وثمانين وستمائة‏.‏

وكانت ولادته في الساعة الخامسة من يوم الخميس لليلتين بقيتا من ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثيـن وستمائـة‏.‏

فيكـون عمـره إحـدى وخمسيـن سنـة وستـة أشهر وأربعة عشر يوماً وملك حماة يوم السبت ثامن جمادى الأولى سنة اثنتين وأربعين وستمائة وهو اليوم الذي توفي فيه والده الملـك المظفـر محمود فيكون مدة ملكه إحدى وأربعين سنة وخمسة أشهر وأربعة أيام وكان أكبر أمانيه أن يعيش إلى أن يسمع جوابه من السلطان فيما سأله من إقرار حماة على ولده الملك المظفر محمود فاتفق وفاته قبل وصول الجواب وكان قد أرسل في ذلك على البريـد مملوكـه سنقر أمير أخور فوصل بالجواب بعد موت الملـك المنصـور بستـة أيـام ونسخـة الجـواب مـن السلطان بعد البسملة‏:‏ ‏(‏المملوك قلاوون أعز الله أنصار المقام العالي المولوي السلطاني الملكي المنصوري الناصري ولا عدمـه الإسلـام ولا فقدتـه السيـوف والأقلـام وحمـاه مـن أذى داء وعـود عواد وإلمام آلام المملوك يجدد الخدمة التي كان يود تجديدها شفاهاً ويصف ما عنده من الألم لما ألم بمزاجه الكريم حتى أنه لم يكد يفتح بالحديث فاهاً‏.‏

ولما وقفنا على الكتاب المولوي المتضمن بمرض الجد المحروس وما انتهى إليه الحال كادت القلوب تنشق والنفوس تذوب حزناً والرجـاء مـن اللـه أن يتداركه بلطفه وأن يمن بعافيته التي رفع في مسألتها يديه وبسط كفيه وهو يرجـو مـن كـرم اللـه معاجلـة الشفـاء ومداركـة العافيـة المـوردة بعـد الكـدر مـورد الصفاء وإن اللـه يفسـح فـي أجـل المولـى ويهبـه العمـر الطويل وأما الإشارة الكريمة إلى ما ذكره من حقوق يوجبها الإقرار وعهود أنت بدورها من السرار ونحن بحمد الله فعندنا تلك العهـود ملحوظـة وتلـك المودات محفوظة فالمولى يعيش قرير العين فما تم إلا ما يسره من إقامة ولده مقامه لا يحول ولا يزول ولا يرى على ذلك ذلة ولا ذهـول ويكـون المولـى طيـب النفـس مستديـم الأنـس بصـدق العهد القديم وبكل ما يؤثر من خير مقيم ‏)‏‏.‏

ولما وصل الكتاب اجتمع لقراءته الملك الأفضل والملـك المظفـر وعلـم الديـن سنجـر المعـروف بأبي خرص وقرئ عليهم وتضاعف سرورهم بذلك وكان الملك المنصور محمد صاحب حماة المذكور ملكاً ذكياً فطناً محبوب الصورة وكان له قبول عظيم عند ملوك الترك وكان حليماً

إلى الغاية يتجاوز عما يكره ويكتمه ولا يفضح قائله من ذلك أن الملك الظاهر بيبرس قدم إلى حماة ونزل بالدار المعروفة الآن بدار المبارز فرفع إليه أهل حماة عدة قصص يشكون فيها من الملـك المنصـور فأمـر الملـك الظاهـر دواداره سيف الدين بلبان أن يجمع القصص ولا يقرأها ويضعهـا فـي منديـل ويحملها إلى الملك المنصور صاحب حماة فحملها الدوادار المذكور وأحضرها إلى الملك المنصور وقال‏:‏ إنه والله دعاء الملك المنصور لصداقة الملك الظاهر وخلع على الدوادار وأخذ القصص وقال بعـض الجماعـة‏:‏ سـوف نـرى مـن تكلـم بشـيء لا ينبغـي وتكلموا بمثل ذلك فأمر الملك المنصور بإحضار نار وحرق تلك القصص ولم يقف على شيء منها لئلا يتغير خاطره على رافعها وله مثل ذلك كثير رحمه الله تعالى‏.‏

ذكر ملك الملك المظفر حماة ولما بلغ السلطان الأعظم الملك المنصور وفاة الملك المنصور صاحب حماة قر ابنه الملك المظفر محموداً ابن الملك المنصور محمد في ملك حماة على قاعدة والده وأوصل إليه إلى عمه الملك الأفضل إلى أولاده التشاريف ومكاتبة إلى الملك المظفر بذلك ووصلت التشاريف ولبسناها ونسخة الكتاب الواصل من السلطان بعد البسملة‏:‏ ‏(‏المملوك قلاوون أعز الله نصرة المقام العالي المولوي السلطاني الملكي المظفري التقوي ونزع عنه لباس البأس وألبسه حلل السعد المجلوة على أعين الناس وهو يخدم خدمة بولاء قد تبجست عيونه وتأسست مبانيـه وتبابسـت ظنونـه وحلت رهونه وحلت ديونه وأثمرت غصونه وزهت أفنانه وفنونه ومنها‏:‏ وقد سيرنـا المجلـس السامي جمال الدين أقوش الموصلي الحاجب وأصحبناه من الملبوس الشريف ما يغير به لباس الحزن وينجلي في مطلعه ضياء وجه الحسن وينجلي بذلك غيوم تلك الغموم وأرسلنا‏:‏ أيضاً صحبته ما يلبسه هو وذووه كما يبدو البدر بين النجوم‏)‏‏.‏

وآخر الكتاب وكتب في عشرين شوال سنه ثلاث وثمانين وستمائة‏.‏

وكان قد وقع الاتفاق عند موت الملك المنصور على إرسال علم الدين سنجر أبي خرص الحموي لأجل هذا المهم فلاقى سنجر المذكور جمال الدين الموصلي بالخلع في أثناء الطريق فأتم سنجر أبو خرص السير ووصل إلى الأبواب الشريفة السلطانية فتلقـاه السلطـان بالقبـول وأعاده بكل ما يحب ويختار وقال‏:‏ نحن واصلون إلى الشام ونفعل مع الملك المظفر فوق ما في نفسه فعاد علم الدين سنجر أبو خرص إلى حماة ومعه الجواب بنحو ذلك‏.‏

  ثم دخلت سنة أربع وثمانين وستمائة

ذكر ركوب الملك المظفر صاحب حماة بشعار السلطنة - في هذه السنة في صفر كان ركوب السلطان الملك المظفر محمود صاحب حماة بشعار السلطنة بدمشق المحروسة وصورة ما جرى في ذلك من السلطان الملك المنصور قلاوون وصل في هذه السنة في أواخر المحرم بعساكره المتوافرة إلى دمشق المحروسة وسار الملـك المظفـر صاحب حماة وعمه الملك الأفضل ووصلا إليـه إلـى دمشـق فأكرمهمـا السلطـان إكرامـاً كثيـراً وأرسل إلى الملك المظفر في اليـوم الثالـث مـن وصولـه التقليـد بسلطنـة حمـاة والمعـرة وباريـن والتشريف وهو أطلـس أحمـر فوقانـي بطـراز زركـش وسنجـاب ودائـرة قنـدس وقبـاً أطلـس أصفر تحتاني وشاش تساعي وكلوته زركش وخياصة ذهب وسيف محلى بالذهب وتلكـش وعنبـر بنـاً وثـوب بطـرز مذهبة ولباس‏.‏

وأرسل شعار السلطنة وهو سنجق بعصائب سلطانية وفرس بسرج ذهب ورقبة وكبوش وأرسل الغاشية السلطانية‏.‏

فلبس الملك المظفر ذلك وركب بشعار السلطنة وحضرت أمـراء السلطـان ومقدمـوا العسكـر وساروا معه من الموضع الذي كان فيـه وهـو داره المعروفـة بالحافظيـة داخـل بـاب الفراديـس بدمشـق المحروسـة إلى أن وصل الى قلعة دمشق ومشت الأمراء في خدمته ودخل الملك المظفر إلى عند السلطان فأكرمه وأجلسه إلى جانبه على الطراحة وطيب خاطره وقال له‏:‏ ‏(‏أنت ولدي وأعر من الملك الصالح عندي فتوجه إلى بلادك وتأهب لهذه الغراة المباركة فأنتم من بيـت مبـارك مـا حضرتـم فـي مكـان إلا وكـان النصـر معكـم‏)‏ فعـاد الملك المظفر وعمه الملك الأفضل إلى حماة وعملا أشغالهما وكذلك باقي العسكر الحموي وتأهبوا للمسير إلى خدمة السلطان ثانيا‏.‏